-A +A
صالح عبدالرحمن المانع
بينما تغرق الولايات المتحدة في أوحال العراق، وتُغرق معها العراقيين أنفسهم، تحاول إسرائيل إعادة الوضع الاستراتيجي المتميز الذي كانت تتمتع به قبل حرب صيف عام 2006م، مع حزب الله في لبنان.
فلا زالت أخبار الضربة الاستراتيجية لموقع عسكري سوري تتجاذب الصحافة الدولية والإسرائيلية. ولقد كان التحقيق المطوّل الذي نشرته «الصنداي تايمز» البريطانية، أكبر دليل على أن الإسرائيليين ضربوا معدّات عسكرية سورية، أو موقع تدريب كان يشرف عليه عسكريون من كوريا الشمالية، وربما شملت أيضاً بعض العسكريين الإيرانيين الموجودين على الأراضي السورية. وكانت إسرائيل تتحرش بسوريا منذ منتصف يوليو الماضي، حيث أرسلت بعضا من عملائها إلى الأراضي السورية، وقامت بتفجير مخزن للذخيرة، أو مشروع لبناء محطة نووية تقول الصحف الإسرائيلية إنه كان يجري بناؤها بمعونة فنية كورية شمالية.

وتشير هذه التوجهات إلى أن إسرائيل تستفيد من الوضع الاستراتيجي الجديد، وتواجد قوات حليفتها الولايات المتحدة على الأرض العراقية، وقد كانت المخابرات الإسرائيلية سواءً تحت نظام الشركات الأمنية، أو تحت غطاء شركات إسرائيلية مرتبطة بعقود مع القوات الأمريكية، تعمل بحرية كاملة في العراق.ويبدو أن سوريا بدأت تشعر بأن الوجود الأمريكي في العراق، هو امتداد أيضاً لنفوذ إسرائيلي يتزايد بشكل مستمر في ذلك البلد، خاصة في شمال العراق.
ولقد كانت الضربة الإسرائيلية رسالة واضحة إلى الحكومة السورية بأنه إذا زادت تحالفات سوريا مع إيران، وزاد نفوذها في لبنان، فإن إسرائيل قادرة على استخدام العراق بشكل مباشر ضد سوريا، وضد الأهداف الاستراتيجية السورية. والأمر الواضح هنا أن إسرائيل استخدمت عملاءها على الأرض للقيام بتفجيرات وربما سرقة بعض المعدات من محطات سورية، وقام هؤلاء العملاء بتوجيه ضربات من المقاتلات الإسرائيلية ضد هذه الأهداف.
ولاشك أن الضربة الجوية المتزامنة مع أعمال عدائية على الأرض هي رسالة واضحة إلى الحكومة الإيرانية من أن مثل هذا النمط من الحرب الخاطفة الجوية، والموجهة عبر عملاء موجودين بالقرب من الأهداف العسكرية، يمكن أن توجه مستقبلا ضد منشآت عسكرية أو نووية إيرانية.
لذلك كانت إيران من أوائل الدول التي احتجت بشدة لدى تركيا ضد السماح للمقاتلات الإسرائيلية باستخدام المجال الجوي لجنوب تركيا، في قصفها للهدف السوري ولا شك أن هناك أهدافاً سياسية بالإضافة إلى الأهداف الاستراتيجية للضربة، فهي من ناحية تحاول رفع معنوية الجنود والجيش الإسرائيلي بعد الهزة التي تعرض لها في صيف عام 2006م. ومن ناحية ثانية فهي إعلان عن أن إسرائيل تستطيع ضرب أي هدف معاد لها بالطرق التقليدية، دون معونة مباشرة أمريكية، وإن كانت هناك تسهيلات لوجستية واستخباراتية قد أعطيت للإسرائيليين من قبل قوات الاحتلال في العراق. وقد أعقبت هذه العملية تصفية (أبو القعقاع) أحد قادة الجهاد الإسلامي في سوريا، الذين كانوا يرسلون المقاتلين إلى العراق. ويعني هذا أن القوات الأمريكية ربما تكون قد تحولت إلى مرحلة الهجوم ضد أعدائها داخل سوريا نفسها. حيث صدرت تقارير صحفية تفيد بأن من قام بهذا الفعل هو أحد المقاتلين الذين سجنوا في العراق، وربما جُنّد خلال سجنه للقيام بأعمال معادية في سوريا.
وقد أعقبت العملية العسكرية حالة من الاستنفار في إسرائيل خشية قيام القيادة السورية بعمل انتقامي ضد الأهداف السياحية في إسرائيل. وقد حاولت الولايات المتحدة تخفيف حدّة رد الفعل السوري بأن دعت سوريا إلى المشاركة في مؤتمر واشنطن المقرر عقده في نوفمبر القادم. واشترط الرئيس السوري مشاركة بلاده، وربط هذه المشاركة بمناقشة موضوع الاحتلال الإسرائيلي للجولان في هذا المؤتمر. كما هددت عدد من الدول العربية، بأنها لن تحضر المؤتمر إذا لم تناقش المسائل السياسية الجوهرية في الصراع، كمستقبل مدينة القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود النهائية للدولة الفلسطينية. وللضغط على الدول العربية، فقد استعانت إسرائيل بحلفائها التقليديين في الكونجرس، الذي وقع ستة وثمانون منهم طلبا للضغط على الدول العربية لحضور مؤتمر واشنطن، وإن كان ذلك تحت شروط إسرائيلية، من أجل حصولها على اعتراف عربي كامل بها، دون أن تقدم إسرائيل أي تنازلات حقيقية على الأرض.